اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يُصادف العاشر من أكتوبر من كل عام، يُعد مناسبة دولية تهدف إلى رفع الوعي بأهمية الصحة النفسية وتعزيز الجهود الرامية إلى تحسين خدماتها. وقد أُطلق هذا اليوم لأول مرة عام 1992 بمبادرة من الاتحاد العالمي للصحة النفسية، وأصبح منذ ذلك الحين منصة لتسليط الضوء على التحديات النفسية التي يواجهها الأفراد والمجتمعات في مختلف أنحاء العالم (World Health Organization, 2023). تشير الصحة النفسية إلى حالة من الرفاهية يتمكن فيها الفرد من إدراك قدراته الخاصة، والتعامل مع ضغوط الحياة اليومية، والعمل بكفاءة، والمساهمة الإيجابية في مجتمعه، ولا تقتصر على غياب الاضطرابات النفسية، بل تشمل التوازن العاطفي والاجتماعي والمعرفي الذي يتيح للفرد التكيف مع التحديات المختلفة (WHO, 2022). تُعد الصحة النفسية جزءًا لا يتجزأ من الصحة العامة، فهي تؤثر بشكل مباشر في الأداء الأكاديمي والمهني والاجتماعي للفرد، كما أن ضعفها قد يؤدي إلى مشاكل مثل القلق والاكتئاب واضطرابات النوم، مما ينعكس سلبًا على جودة الحياة.
يهدف اليوم العالمي للصحة النفسية إلى كسر الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالاضطرابات النفسية وتشجيع الأفراد على طلب المساعدة دون خوف أو خجل، كما يُعد فرصة لتذكير صناع القرار بضرورة دمج خدمات الصحة النفسية ضمن أنظمة الرعاية الصحية الأولية وضمان الوصول العادل إليها. وفي السنوات الأخيرة، ازدادت التحديات النفسية بسبب الأزمات الاقتصادية والصراعات والتغيرات التكنولوجية السريعة، الأمر الذي يجعل الاهتمام بالصحة النفسية ضرورة إنسانية واجتماعية وليست خيارًا ترفيًّا (Patel et al., 2022).
تلعب المدارس ومراكز العمل ووسائل الإعلام ومؤسسات الرعاية الصحية دورًا أساسيًا في تعزيز الوعي بالصحة النفسية، فالتثقيف النفسي وتنفيذ برامج الدعم النفسي والاجتماعي وتوفير بيئة عمل وتعليم صحية تُسهم في الوقاية من الاضطرابات النفسية. كما أن إشراك الأسرة والمجتمع المحلي في نشر ثقافة التفهم والدعم يمثل خطوة جوهرية في بناء بيئة أكثر احتواءً للأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية، وقد أثبتت الدراسات أن الدعم الاجتماعي القوي يُعد من أهم عوامل الحماية ضد الاكتئاب والقلق (Umberson & Montez, 2010).
إن الاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية ليس مجرد حدث رمزي، بل هو دعوة لتجديد الالتزام العالمي بتحسين نوعية الحياة النفسية لكل فرد، فالصحة النفسية مسؤولية جماعية تتطلب تعاون الحكومات والمؤسسات والأفراد من أجل بناء عالم أكثر توازنًا ورحمة. إن الاستثمار في الصحة النفسية اليوم يعني مجتمعات أكثر إنتاجية وتماسكًا غدًا، فكما تقول منظمة الصحة العالمية: "لا صحة بدون صحة نفسية" (WHO, 2023).
المراجع:
World Health Organization (2022) Mental health: Strengthening our response WHO
World Health Organization (2023) World Mental Health Day 2023: Mental health is a universal human right
Patel V Saxena S Lund C et al (2022) The Lancet Commission on global mental health and sustainable development The Lancet 392(10157) 1553–1598
Umberson D & Montez JK (2010) Social relationships and health: A flashpoint for health policy Journal of Health and Social Behavior 51(S) S54–S66