يعد اضطراب التاتاة (Stuttering Disorder) احد اضطرابات الطلاقة الكلامية (Fluency Disorders) التي تؤثر على انسيابية النطق وجودة التواصل اللفظي. يتمثل الاضطراب في تكرارات صوتية او مقطعية (Sound or Syllable Repetitions)، واطالات في الاصوات (Prolongations)، وتوقفات مفاجئة في الكلام (Blocks)، مما يعيق الانتاج اللفظي السلس رغم سلامة القدرات اللغوية والمعرفية للفرد. تظهر التاتاة غالبا في مرحلة الطفولة المبكرة بين عمر 2 و6 سنوات، وهي فترة النمو السريع لمهارات اللغة والتواصل.
يشكل فهم هذا الاضطراب اهمية بالغة لانه لا يقتصر على الجوانب اللغوية فقط، بل يمتد ليؤثر في الجوانب النفسية والاجتماعية والاكاديمية للفرد. وتشير الادلة الى ان التدخل المبكر والعلاج القائم على البراهين (Evidence-Based Practice) يسهمان في تقليل حدة الاضطراب وتحسين الطلاقة الكلامية بشكل ملحوظ.
تشير الدراسات العصبية والوراثية الحديثة الى ان التاتاة اضطراب متعدد العوامل (Multifactorial Disorder) ناتج عن تفاعل بين مكونات عصبية وجينية وبيئية. فقد اوضحت الابحاث التي استخدمت تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) وجود اختلافات في نشاط النصف الايسر من الدماغ، وبالاخص في المناطق المسؤولة عن تخطيط الكلام مثل منطقة بروكا (Broca’s Area) والقشرة الحركية التكميلية (Supplementary Motor Area) (Chang et al., 2018). كما تم تحديد طفرات جينية في عائلات لديها تاريخ من التاتاة تتعلق بجينات مسؤولة عن العمليات العصبية مثل GNPTAB وGNPTG (Kang et al., 2010).
من الناحية السلوكية، تتجلى التاتاة في مظاهر اساسية وثانوية. المظاهر الاساسية تشمل التكرار والاطالة والتوقف، بينما تشمل المظاهر الثانوية السلوكيات المصاحبة مثل حركات الوجه او ارتعاش الشفتين او شد عضلات الرقبة، وهي استجابات مكتسبة نتيجة محاولات الفرد للسيطرة على الطلاقة.
تتأثر شدة التاتاة بالعوامل الانفعالية والموقفية، حيث تميل الى الزيادة في المواقف التي تتطلب ضغطا اجتماعيا عاليا، كالحديث امام جمهور، وتقل في المواقف المألوفة او اثناء الغناء والقراءة بصوت مرتفع. وهذا يشير الى ارتباط وثيق بين النظم الانفعالية والوظائف التنفيذية (Executive Functions) في الدماغ.
على الصعيد العلاجي، تم تطوير العديد من البرامج الفعالة للتعامل مع التاتاة، من اهمها:
برنامج ليدكومب (Lidcombe Program): وهو برنامج سلوكي موجه للاطفال يعتمد على تعزيز الطلاقة وتقليل السلوكيات غير الطلقة من خلال مشاركة الاهل في البيئة المنزلية.
تقنيات تعديل التاتاة (Stuttering Modification Techniques) مثل طريقة فان رايبر (Van Riper Approach)، التي تركز على تقبل التاتاة والتحكم فيها من خلال مراحل الوعي والتعديل الطوعي.
علاج طلاقة الكلام (Fluency Shaping Therapy) الذي يهدف الى اعادة تشكيل نمط النطق وتدريب الجهاز الحركي على الانتاج الكلامي السلس عبر تقنيات مثل التحكم بالتنفس والايقاع الصوتي.
العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavioral Therapy) لمعالجة القلق المرتبط بالكلام وتعديل الافكار السلبية حول الذات والتواصل.
تشير الدراسات الى ان الجمع بين التدخل السلوكي والاساليب النفسية المعرفية يعطي نتائج اكثر ثباتا، خاصة عند المراهقين والبالغين الذين تظهر لديهم مكونات قلق اجتماعي مرافقة (Craig & Tran, 2014).
ان اضطراب التاتاة يمثل ظاهرة معقدة تشمل تفاعلا دقيقا بين العوامل العصبية والنفسية واللغوية. ورغم ان التاتاة قد تستمر مدى الحياة لدى بعض الافراد، الا ان التدخل المبكر والعلاج المبني على البراهين يمكن ان يقلل من شدتها ويعزز الطلاقة اللفظية والثقة بالنفس. ان نشر الوعي المجتمعي حول هذا الاضطراب وتبني بيئة تواصل داعمة يشكلان ركيزة اساسية لتحسين جودة حياة الافراد الذين يعانون من التاتاة.
المراجع:
Chang, S. E., Garnett, E. O., Etchell, A. C., & Chow, H. M. (2018). Functional and neuroanatomical bases of developmental stuttering: Current insights. Neuroscientist, 24(3), 290–310.
Kang, C., Riazuddin, S., Mundorff, J., Krasnewich, D., Friedman, P., Mullikin, J. C., & Drayna, D. (2010). Mutations in the lysosomal enzyme–targeting pathway and persistent stuttering. New England Journal of Medicine, 362(8), 677–685.
Craig, A., & Tran, Y. (2014). Fear of speaking: Chronic anxiety and stammering. Advances in Psychiatric Treatment, 20(4), 280–285.